غموض موت عبد الناصر (2)

Posted on at


ولنكمل ما بدأناه فى المقالة السابقة عن حقيقة موت عبد الناصر واعلم سيدى القارئ ان المقالتين مرتبطتين اشد الارتباط

 

دواء لكنه داء

لقد كانت إسرائيل معروفة بتقدمها في تخليق المستحضرات القاتلة والضارة وقد  جربت إمكانياتها تلك في العديد من العمليات القذرة فقد وُجهت إليها اصابع الاتهام وكان عبد الناصر عدوها الأول ومصدر الخطر على وجودها واستمرارها وقد تخلقت حول هذه الأمور قصة لم تكتمل فصولها قصة تقول إن"على العطفي" اخصائي العلاج الطبيعي سافر في بعثة دراسية

إلى الخارج وأن الموساد استطاع أن يوقعه في حباله وقد ساعده في الحصول على الدكتوراه التي اكتُشف فيما بعد أنها مزيفة وعندما عاد الى مصر سبقته ضجة اعلامية كبيرة فأصبح بين يوم وليلة أشهر اسم بين اخصائي العلاج الطبيعي، واستقبلت عيادته ومركزه الطبي -الذي انشأه بمساعدة إسرائيل- العديد من الشخصيات المسئولة في مصر حتى بلغ صيته المدي ولأن الرئيس عبد الناصر الذي كان مصابًا بارتفاع ضغط الدم والسكر كان يحتاج في أوقات كثيرة الى علاج ساقيه من آلام السكر فقد اقترح عليه بعضهم أن يتولى علاجه "على العطفي"بشهرته وسمعته وقد كان . وقيل إنه حصل على أدوية وعقاقير قدمتها له إسرائيل ليمارس بها علاجه لآلام ساقي الزعيم وأن هذه العقاقير- المادة الزيتية - كانت تحتوي على أنواع من السموم التي يصعب اكتشافها . وذات أثر تراكمي يتسرب إلى الجسد تدريجيًا ويتسبب في الوفاة بعد فترات يعرفها مخترعو هذه العقاقير. وقد تأكدت الشائعة عندما أُلقي القبض على "على العطفي"وأُغلقت عيادته ومركزه للعلاج الطبيعي وأُعلن عن عدم أهليته لممارسة المهنة وأن درجته العلمية غير صحيحة ومزورة ، ونشرت الصحف أخبارا عنها ثم صمتت بعد فترة وقيل إنه مات في السجن .               

      وهذا ما أكده الكاتب" عادل جارحى" حيث أنه لاحظ  فى أول صفحة فى مجلة أكتوبر المصرية والتى كان يرأس تحريرها الأستاذ أنيس منصور خلال السبعينات صورة الدكتور "على العطفى " أسفلها عبارة  أنتقل الدكتور على العطفى من سجن الأستئناف إلى سجن طره ، وقد سأل وتأكد أنه فعلا هو الدكتور على العطفى . وقد طار الخيال بالبعض لدرجة الهمس بأن إسرائيل قد بادلته ببعض الأسرى المصريين وأنها قد تسلمته من السلطات المصرية للعيش هناك معززا مكرمًا نظير الخدمات الجليلة التي قدمها للكيان الصهيوني .

وكانت مسألة استخدام السم في قتل جمال عبد الناصر تجد فرصا للظهور والانتشار بين وقت وآخر ومازالت وفي كل مرة تُقدم إسرائيل على عمل من هذا النوع تشتعل المسألة وتكبر من جديد ولعل فضيحة إسرائيل في محاولة اغتيال " خالد مشعل " بالسم في الأردن أعادت القضية إلى الأذهان بقوة ثم كانت عملية اغتيال " ياسر عرفات " بالسم والتي تحدث عنها الأستاذ هيكل مبكرا ثم أصبحت حديث الصحافة العالمية فيما بعد. لعلها دفعت برواية استخدام السم لإنهاء حياة عبد الناصر لتحتل مكانا بارزا يكاد يقترب من اليقين .

 

السوفيت وقتل ناصر

 

الدم .. واليرقانات الدقيقة 

كان لبعض المقربين من عبد الناصر وجهات نظر.مختلفة عن كل ما ذكر سلفاً حيث اعتقادهم بأن الروس هم الذين قتلوا عبد الناصر ويستند اصحاب هذه النظرية وهم من الذين انجرفوا مع الرئيس الراحل السادات في معاداته للروس، خصوصا وبعد طردهم من مصر ـ إلى أن الاطباء الروس قاموا بزرع نوع معين من اليرقانات الدقيقة في دمه ـ وذلك اثناء إقامة عبد الناصر في مصحة الاستشفاء والعلاج . بمدينة «سوتشي» بالبحر الأسود عام 1961. وهي ديدان لا يظهر نشاطها في الجسم إلا عندما يكون حاملها قد اعياه الارهاق والتعب الشديد .

وهذا ما حدث لعبد الناصر بحسب روايات اصحاب هذه النظرية فقد كان الاعياء والانهاك قد ظهرا على عبد الناصر.

والذي كان وقبيل موته بيومين في حركة دائبة لا تهدأ مواصلا الليل بالنهار في اجتماعات مع الملوك والرؤساء العرب الذين وفدوا للقاهرة في ذلك الوقت آملين في وقف نزيف الدم الفلسطيني والذي كان يسيل وقتها في الأردن وهي الاحداث التي دخلت تاريخ العرب باسم (ايلول الاسود الفلسطيني) عام 1970. وكانت قمة الاعياء الحاد قد ظهرت عليه اثناء توديعه أمير دولة الكويت الراحل مساء يوم 28/9/1970. وكما يقول اصحاب هذه الرواية ، كانت اليرقانات «الروسية» قد اكملت دورتها في جسد الرئيس المنهوك، وما أن عاد من المطار إلى القصر إلا وكان كل شيء متأخراً في إسعافه ونجدته.

 

ناصر و السوفيت ... وغرف الأكسجين

قد أوضحت الكاتبة "منى مدكور " تفصيلياً ما تضمنته الوثيقة الجديدة والتي ظهرت للنور مؤخرا والتي كشفت عنها لأول مرة صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية في عددها الصادر بتاريخ 3/2/2005 ،وهي الأكثر إثارة للدهشة والفزع أيضا إن جاز التعبير، فالوثيقة البريطانية التي تم الكشف عنها طبقا لقانون الوثائق السرية البريطانية، فالوثيقة البريطانية التي تم الكشف عنها طبقا لقانون الوثائق السرية البريطانية محتواها أن السوفيت تورطوا في إعطاء الرئيس الراحل علاجا يتضمن الاكسجين خلال رحلة استشفائه في موسكو عام 1970 وهم موقنون من وفاته خلال 3 أشهر .

ويقول نص الوثيقة التي بعث بها " أم. مارشال " القنصل البريطاني بالرباط يوم 29 مايو 1974 إلي الخارجية البريطانية: "احاط القنصل المصري هنا الآنسة "ماسوه" السكرتيرة الثانية بسفارتنا بقصة غير عادية قال فيها ان المصريين الآن مقتنعون بأن الروس قد اعطوا عبدالناصر حينما ذهب إليهم قبل فترة قصيرة من وفاته، علاجا يتضمن الاكسجين وعادة ما يعطي إلي رواد الفضاء، بما يعني التأكيد علي أنه سيموت بعد 3 أشهر ".
وهذا ما جعل الوثيقة تأخذ بعدا آخر مختلفا عن كل الروايات التي قيلت عن الأسباب الحقيقية وراء وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، فمن المعروف تماما ان كثيرا من أجهزة المخابرات الغربية تورطت بشكل قريب أو بعيد في المحاولات الفاشلة التي دبرت لاغتيال الرئيس الراحل وكان علي رأسها المخابرات البريطانية والأمريكية والإسرائيلية وفقا لشهادات من عملوا بها.
ولكن ان يتورط الاتحاد السوفيتي السابق والذي كان يعد الحليف الأول لعبدالناصر في فترة الستينيات وربما الأوحد ايضا في ظل الأزمات والتكتلات التي احيكت ضد مصر في عهده، فهذا ما يجعل الوثيقة وما تحتويه من معلومات خطيرة اجحافا للحقيقة ومحلا لعلامات استفهام كبيرة لبلد وقف في وقت ما ضد العالم من أجل مصر. فكيف يسعي للخلاص من زعيمها؟

ردود ووجهات نظر مختلفة :-

كان رد "الدكتور الصاوي " الطبيب الخاص بالرئيس الراحل غير متوقع، فلقد احتد وانفعل بشدة رافضا الحديث عما تحتويه هذه الوثيقة واصفا اياها بأنها آراء للآخرين وهو لا يعلق علي آراء الآخرين منهيا حديثه معنا بجملة واحدة: لا تعليق!

 

أما "سامي شرف" الوزير الأسبق لشئون الرئاسة فقاول: ليس كل وثيقة تفرج عنها السلطات البريطانية هي وثيقة رسمية يعتد بها وبما تحتويه من معلومات، والكلام الوارد في هذه الوثيقة خطير بالفعل ومن المهم أن نبحث وراءه لاثبات حقيقته التي أكد أنه علي حد علمه وإلي الآن أنها معلومات غير صحيحة . حيث لم يحدث أن اثير هذا الموضوع امامه ولم يقل له الرئيس عبدالناصر أنه تلقي علاجا بالاكسجين اثناء رحلتي استشفائه في سخالطوبا في الاتحاد السوفيتي عامي1969 و1970 .
ويعطي سامي شرف لطبيعة هذه الوثيقة بعدا سياسيا واستراتيجيا غاية في الأهمية حيث أن الوثيقة تقول أنها صادرة عن القنصل البريطاني في الرباط، ومن المعروف تماما ان المغرب كان يعد التمركز الأكبر في المنطقة العربية للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية في تلك الفترة، وعندما يصدر هذا الكلام عن القنصل المقيم في المغرب، فهذا يعني أن الأمر له بعد سياسي كبير لحساب مخابرات أجنبية للعمل علي تشويه صورة جمال عبدالناصر وما تبعه من تاريخ خالد ومشرف. من خلال التأكيد أنه ارتمي في احضان السوفيت وهم من قاموا بالتخلص منه في النهاية .

 

ولكن من المثير للدهشة فعليا، هو ما قاله الرئيس الراحل "أنور السادات "في مذكراته الشخصية "البحث عن الذات" عقب عودة الرئيس عبد الناصر من رحلة علاجه الأخيرة للاتحاد السوفيتي والتي استغرقت 20 يوما وكان السادات وقتها نائبا للرئيس قال ما يلي: "استغرقت رحلة عبد الناصر 20 يوما، فقد ادخلوه غرفة الاكسجين الخاصة برجال الفضاء ليجدد خلايا جسمه كله، حتي أنني عندما التقيت به في مطار القاهرة عند عودته من موسكو دهشت، فقد بدا أصغر من سنه بعشرين سنة علي الأقل" . وهذا ما نفاه "سامي شرف" مؤكدا أنه كان الأقرب للرئيس عبد الناصر ومنهيا تعليقه بمطالبة الخارجية المصرية أن تفصح لنا عن اسم القنصل المصري لسفارتنا في الرباط عام 1974 حتي نضع النقاط فوق حروفها ، وذلك لعدم معرفته بقنصلنا هناك بسبب سجنه فى تلك الفترة .


وقال السفير "وفاء حجازي"  "مساعد وزير الخارجية المصري السابق": أنه  مندهش جدا من هذا الموضوع الذي لم يطرح أمامه بأي حال من الأحوال سواء من قريب أو بعيد أو حتي خلال الدردشة العادية بيننا كعاملين في سفارة موسكو علي وجه الإطلاق في ذلك الوقت. وأكد حجازي أن الأشخاص الذين لهم علم حقيقي بما جري أثناء رحلة استشفاء الرئيس عبد الناصر هم الفريق الطبي المعالج له وليس مجرد دبلوماسي بريطاني يعمل في بلد بعيد . وأضاف حجازي من ناحية أخري معلقا علي طبيعة العلاقات التي كانت تربط مصر بالاتحاد السوفيتي: أنها أمر لا يدعو للتعليق، لأن مواقف السوفيت مع مصر كانت واضحة للجميع .

 

أما "محمد فايق" وزير الإعلام الأسبق فأكد أن وفاة عبد الناصر كانت طبيعية ونفي فايق معرفته بالقنصل المصري في الرباط في ذلك الوقت، مؤكدا أن مصر لم يكن لديها قنصل أصلا إنما سفير فقط .

ورأي الكاتب الناصري "محمد عودة "أن هذه الوثيقة هي دليل جديد علي تزييف الحقائق والتاريخ، وإذا ما كان هناك مؤامرات جادة لقتل عبد الناصر فقد كان مدبروها الانجليز والأمريكان وليس السوفيت، مؤكدا على أن هذه الوثيقة من صنع المخابرات البريطانية في لعبة سياسية تهدف من ورائها إلي تلطيخ تاريخ لكل من عبد الناصر والسوفيت .


وتأتي شهادة الطب لتضع الحد الفاصل أمام هذه الوثيقة حيث قد نفى الدكتور "مرسي أمين "أستاذ جراحة القلب والصدر بكلية الطب جامعة قناة السويس بشدة أن هناك علاقة تربط بين إعطاء المريض علاجا بواسطة الاكسجين وبين تحديد الفترة الزمنية التي سيعيشها حتي تحدث الوفاة مثلما قالت الوثيقة من أن الوفاة ستحدث خلال 3 أشهر من نهاية تداويه بالاكسجين  

والى اللقاء القادم فى مقالة اخرى تبحث عن الخفايا والاسرار ومحاولة تفسيماتر غموض موت عبد الناصر .



About the author

160