الكتاب في العصور القديمة والوسطى والحديثة

Posted on at



الحياة البشرية تحتاج لهمزة وصل بين افراد الجيل الواحد وتمتد من جيل الى جيل , وهمزة الوصل هذه لابد وان تحمل في طياتها الثقافة والتاريخ الذي جبل عليه المجتمع الواحد , ونقل هذه الثقافة للاجيال القادمة ؛ للتمسك بها لكي تميزهم عن غيرهم من الثقافات والحضارات في المجتمعات الاخرى .


والكتاب خير مثال لهمزة الوصل هذه , حيث يعد وسيلة الاتصال الحضارية الاولى التي استخدمها الانسان بعد الوسائل البدائية لنقل افكاره واخباره وتسجيلها , فالكتاب صورة من الثقافة والبيئة التي ينتمي اليها . وقد مر الكتاب بمراحل تطور كثيرة حتى اصبح على الشكل الاذي نراه به اليوم , ابتداءً من العصور القديمة مروراً بالوسطى وانتهاءً بالعصور الحديثة والتي حدث بها طفرة هائلة في صناعة وانتشار الكتاب .


اولا ً : العصور القديمة .


أـ الصناعة : في عصور ماقبل التاريخ بدا الانسان بالكتابة والرسم على جدران الكهوف وهذا مايعرف بالايديوجرافية او الكتابة بالرموز وعن طريق هذه الرموز تكونت اللغة وقد طور المصريون هذه الطريقة واصبحت هيروغليفية او الكتابة بالصور , ثم بعد ذلك الكتابة على الالواح الطينية حوالي عام 3000ٌق.م , ثم استخدمت القطع الحجرية حيث تستخدم كصفحات ينقش عليها الصور , ثم بعد ذلك حوالي عام 1200ق.م صنع المصريون من نبات البردي مادة للكتابة عليها عن طريق نزع الجزء الخارجي من النبات للحصول على الجزء الليفي الداخلي وهذه الالياف ترطب وترص ثم تجفف وكانت الشرائح المقطعة تنسج متداخلة مع بعضها البعض طولاً وعرضاً في زوايا قائمة , بالطريقة نفسها  التي كانت تستخدم في نسج القماش , وبعد ذلك كانت قطعة البردي الناتجة تنقع في الماء وتكبس ويضغط عليها ثم تجفف وفي حالة الجفاف هذه تكون المادة صالحة او جاهزة للكتابة عليها , وبعد ان يكتب عليها يلف الورق ويصبح جاهزاً للتداول . وعلى العكس من الورق الحديث فان هذه اللفائف كانت تلتصق بنفسها اذا حفظت في مكان رطب .


استخدمت انواع اخرى كثيرة لمواد الكتابة في مختلف الازمان والاقطار تتضمن هذه المواد الورق والالياف والاشجار وانواع مختلفة من المعادن والخيزران والحرير . ولكن النوعين الاخيرين استخدما استخداما محدوداً ؛ لان الحرير غلاي الثمن والخيزران تميز بثقله .


كما استخدمت ايضاً كمواد للكتابة جلود الاغنام والماعز وصغار الخراف والابقار , وكانت مواد الكتابة التي تصنع من جلود الماعز والاغنام تسمى "بارشمنت" والتي تصنع من جلود البقر تسمى "رقا ً" . وهذه الجلود كانت تنقع في الجير ثم تشد فوق اطار خشبي ثم يكشط الشعر وبذلك تصبح الجلود ملساء قبل كتابة الصور والاشكال على سطحها . وكانت الجلود امتن من البردي كمادة يكتب عليها , ولكن كانت الجلود اثقل وزنا ً واغلى سعرا ً ولكن الطلب على مواد الكتابة الاكثر نعومة والاخف وزنا والارخص سعرا .


اخترع الصينيون الورق كخامة للكتابة عام 105م وهناك بعض الغموض في تركيبة الاختراع الصيني فربما استخرج من الياف الخضروات او من شرائح الاشجار او من سعف النخيل .


عرفت الكتب الاولى كمخطوطات .... وهذه الكتب كانت تنتج يدويا ً او تنسخ بالفرش او الاقلام الرصاص او الحبر بالاضافة اللى انها كانت تطبع , والمواد التي كانت تستخدم كاسطح للكتابة  تشمل "البارشمنت , الرق , ورق البردي , والورق " هذه المواد كانت تلف فأطلق عليها اللفائف rolls  او الدرج scrolls  .


وفي القرن الرابع الميلادي , توصل الرومان الى وسيلة اخرى لربط مخطوطاتهم افضل من لفها حيث كانوا يطوون اوراقهم مكن المنتصف وهذه الاوراق المطوية تشبه مجموعة الصفحات الاربع اليوم . حيث يمكن تحويل الاوراق من اليمين الى اليسار لقراءة صفحة جديدة . والكتاب المبني على الصفحات الاربع المطوية كان يسمى المخطوط.


تطور الكتاب كمجموعة ملازم مترابطة بالخياطة , مع وضع اشرطة على طول حواف التجليد للاحتفاظ بها كوحدة واحدة ولحماية محتويات المجموعات المخيطة ,واستخدم الجلد لتغطية المجموعات المخيطة وكذلك لتغطية الاغلفة العارية وايضا ً فان اضافة الجلد يقوي ويعزز الكتاب .


ب ـ المحتوى : كانت هذه الوسائل في العصر القديم تستخدم لنقل الافكار بين الافراد وتسجيل الاحداث التاريخية الهامة التي تمر بها البلاد وتسجيل اشياء تخص ادارة شئون البلاد , واشياء خاصة بانشاء الحضارات والبناء والتعمير فضلا ً عن العلوم والفنون   والعلوم الطبية والعلوم الاخرى وما يتعلق بامور الدين ومثال ذلك كتاب  "الموتى" الذي خلفه الفراعنة مكتوبا ً على ورق البردي ومنقوشا ً ايضا ً على جدران المعابد .


ج ـ الانتشار : لم تكن الكتب في ذلك العصر منتشرة بين عامة الناس , ولم يكن باستطاعة الجميع الحصول على هذه الكتب او حتى الوصول اليها لقراءتها فقط , حيث ارتبط نشرها بالمكتبات . حيث تقوم مكتبة معينة بدور المكتبة المركزية التي تحتوي على امهات الكتب فتقوم بتوزيعها على المكتبات الكبرى الاخرى في عدد من الدول , كما كان حال مكتبة الاسكندرية قديما ً فكانت تزود المكتبات الكبرى بامهات الكتب مثل مكتبة اثينا , الى ان احرقت مكتبة الاسكندرية عام 48م ففقدت دورها كمركز رئيسي لنشر الكتب .


ثانيا ً : العصور الوسطى .


أ ـ الصناعة : في البداية اخذ الاهتمام بالكتابة على الرقوق والجلود والانسجة ثم جمعها في كتب . ثم ظهرت الطباعة بالالواح الخشبية : وهي عبارة عن قيام الطابع باحضار لوحات خشبية وتسوية سطحها وتنعيمه , ثم يقوم بكتابة النصوص المراد طبعها كتابة معكوسة ( او مقلوبة ) ويأتي احد الحفارين لحفر اجزاء الخشب الخالية من الكتابة فتظهر الحروف بارزة على اللوحة , فتحبر وتوضع عليها الورقة التي يراد طبعها وتمرر اسطوانة على الورق , فتظهر الكتابة على وجهها الملاصق للوحة ويرى المؤرخون ان هذه الطريقة اتبعت في اوروبا سنة 1431م , ويرجع الفضل للصينيين في هذا الاختراع العظيم الذي اكتشف ربما في القرن الخامس الميلادي .


منذ منتصف القرن الخامس عشر تم اضافة علامة المطبعة كعنصر من عناصر تحقيق شخصية الكتاب , وكانت تحفر على الخشب وانتقلت هذه العلامة من اخر الكتاب الى صفحة العنوان لتسهم في زخرفتها . ثم فكر بعض الطابعين في البدء بطبع الكتاب ابتداء ً من ظهر الورقة الاولى لان الورقة الاولى من الكتاب معرضة للاتساخ , مكتفيين فقط بكتابة عنوان الكتاب عليها ليسهل عليهم مهمة التعرف على محتوى الكتاب .


وهكذا ظهرت صفحة لعنوا نالكتاب وبدأ الطابعين يزخرفون هذه الصفحة بحرف كبير محفور على الخشب وكان يحلى بأشكال غريبة ومنهم من وضع في الفراغ الابيض تحت العنوان علامته التجارية او شكلا ً محفورا ً  على الخشب .                                   


ب ـ المحتوى : في هذا العصر كان الاهتمام اكثر بتدويين الامور المتعلقة بالدين حيث تميز هذا العصر بعدم التقدم في اي مجال من العلوم لذلك كان التدوين للعلوم محدود جدا ً , وكانت الصور في الكتب ذات اهمية عالية في هذه الفترة في الكتب الدينية وكروت اللعب ( الكوتشينة ) حفرت على الخشب او المعدن , وتم تحبيرها ثم طبعت على الورق وكان يجب ان يكون القائم بالحفر ذا مهارة عالية وكذلك كان ذا مكانة هامة اثناء ذلك العهد .


ج ـ الانتشار : عرفت اوروبا الورق من العرب الذين تعلموا فن صناعته من الصينيين وذلك في منتصف القرن الثامن ففي عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد انتشرت مصانع الورق في بغداد والدول الاسلامية وانتقلت الى مصر في القرن العاشر وعندما فتحت الاندلس وادخل العرب الورق اليها اصبحت طليطلة اول مدينة في اوروبا يصنع الورق فيها .


 والمطبعة هي الاداة الاولى التي اسهمت في نشر الكتاب وجعلته في متناول الجميع بعد ان كان مقصورا ً على فئة خاصة وقليلة من الناس.


كان انتشار الكتاب قبل عام 1450م في اوروبا يتم بواسطة كتابة المخطوط بصعوبة ثم نسخها يدويا ً , باستثناء عدد قليل , فقد طبعت بعض الكتب بطريقة القولب الخشبية التي انتقلت الى اوروبا 1400م . هذه الطباعة الشاقة البطيئة تتطلب عمالا ً مهرة . ولكن هذه الفترة اتسمت بعدم التقدم في العلوم والفنون وعرفت باسم العصور المظلمة , واتصفت بانقطاع وسائل الاتصال وكتبت اغلب الكتب خلال العصور المظلمة بواسطة الرهبان الذين يعملون في الاديرة , كانت الكتب نادرة والانسان المتوسط لا يستطيع اقتناءها , وكان معظم الناس في هذه الفترة لا يستطيعون مجرد القراءة والكتابة .


ثالثا ً : العصور الحديثة .


أ ـ الصناعة : في هذا العصر اتت فترة استيقاظ فكري وبدا الناس في دراسة العلوم والفنون واستكشاف بيئاتهم وهذها لفترة عرفت باسم عصر النهضة وبدا الناس تجاربهم ومحصلة هذه التجارب استخدام الحروف المسبوكة بواسطة يوحنا جوتنبرج .


لم يكن الكتاب المطبوع يختلف في اول عهده من حيث الشكل عن المنسوخ باليد بل كانت الحروف الاولى لابواب الكتاب وفصوله تترك للخطاطين والمزخرفين لكتابتها بالحبر الاحمر ثم بدا شكل الكتاب المطبوع يختلف عن المنسوخ واصبحت له مميزاته الخاصة وحروفه الخاصة مثل الحروف القوطية ( الخاصة بكتابة الرهبان )والرومانية والايطالية المائلة حسب نوع الكتابة


منذ نهاية القرن الخامس عشر اصبح لكل الكتب او لمعظمها صفحة لاثبات العنوان ذلك العنوان الذي بدأ مقتضبا ً ثم اخذ يفرط في الطول , وفي الثلث الاول من القرن السادس عشر بدات اضافة اجزاء رئيسية من الكتاب الى ذلك العنوان وزخرفة صفحة العنوان , واذا انتقلنا الى نص الكتاب نفسه سنجده اولا ً لم يختلف في طباعته عن الطريقة التي كان ينسخ بها من قبل ثم انفسحت الاسطر وكبرت الحروف ولكن دون ترقيم للصفحات حتى عام 1499م .


ولم تعمم طريقة الترقيم هذه الا في القرن السادس عشر حين اتخذ الكتاب شكله الحالي ولم تعد نصوص الكتاب تجمع في انهر واعمدة مثل المجلات والجرائد ولكنها اصبحت تجمع في اسطر طويلة تمتد بعرض الصفحة كلها .


اختفى الخشب المحفور في اواخر القرن السادس عشر وحل محله بالتدريج الحفر بالنقش على لوحات معدنية , والذي استمر زهاء قرنين من الزمن وبواسطته طبعت الاطالس الجغرافية في هولندا القرن السابع عشر واصبحت الصور المطبوعة ذات دور اعلامي ملحوظ بين شعوب اوروبا .


كانت الكتب الفاخرة تجلد بالقطيفة والحرير والجوخ المذهب خاصة اذا علمنا ان الذين يقتنون هذه الكتب هم النخبة من رجال العلم والثراء اما الكتب العادية كانت تجلد بانواع الجلد المختلفة . ولم يكن الطابعين يجلدون كتبهم بعد طبعها مباشرة ً توفيراً ً لتكاليف النقل من بلد لاخر بل كانت النسخ تعبأ في براميل وتجلد اولاً ً بأول وبكميات محدودة , بل ان بعض القراء كان يفضل شراء نسخته غير مجلدة ليقوم بمعرفته بتجليدها حسب ذوقه .ثم حل الكرتون محل الخشب في التجليد بعد زيادة عدد القراء .


وعندما اخترعت الطابعة التي تدور بالبخار وآلة صنع الورق في القرن التاسع عشر مما اتاح انتاج الكتب بسرعة اكبر وبتكاليف اقل , انصرف الناشرون عن تجليد الكتاب واكتفوا بتضبيره وهكذا ... بينما اخذ عدد الكتب المطبوعيزداد خاصة في الدول المتقدمة , اخذ التجليد العادي يفقد تدريجيا ً من جماله ثم من متانته .


ب ـ المحتوى : في هذا العصر حدث ازدهار كبير في جميع المجالات مما انعكس على محتوى الكتب حيث اصبحت الكتب تتحدث عن جميع المجالات والعلوم . فمثلا ً في عصر محمد علي في مصر اهتم بمجالات الطب والهندسة والجغرافيا والسياسة والمنطق والتاريخ والكيمياء وبالتالي احتوت الكتب على هذه المضامين .


وهناك ايضاً كتب دينية واخرى فنية وادبية وثقافية فحدث تنوع كبير جداً ً في مضامين الكتب في هذا العصر .


ج ـ الانتشار : يقسم البعض مراحل انتشار الطباعة وتطورها الى خمس مراحل :


1 ـ مرحلة التشغيل اليدوي 1455م .


 2 ـ مرحلة التشغيل الميكانيكي 1882م .


3 ـ مرحلة الجمع السلكي واللاسلكي 1932م .


 4 ـ مرحلة الجمع التصويري او الفلمي 1953م .


5 ـ مرحلة التشغيل الذاتي واستخدام الحاسب الالكتروني منذ خمسينيات القرن الماضي ومستمرة في التطور والتقدم حتى وقتنا الراهن .


مع ظهور الطباعة الحدود الممكنة للحرية اصبحت اكثر حدة في منتصف القرن الخامس عشر , وامكانية شيوع ( افكار خطيرة ) تتجاوز كثيرا ً التأثير المباشر لأصحابها وكثيرا ً ماكان انتشار المطابع محظورا ً ولا يسمح له الا بترخيص وكانت احياناً ً تتعرض للتدمير .


وفي اعقاب اختراع جوتنبرج لآلة الطباعة بوقت قصير اخترعت السلطات الرسمية مكاتب للرقابة.


ويرجع الفضل الى اختراع المطبعة ووفرة النصوص المطبوعة من كل كتاب الا ان الكتاب ام يعد ذلك الشئ النادر او الغالي الذي يرجع اليه في مكتبات الجامعات او المراكز العلمية الاخرى .


وبفضل المطابع الضخمة الخاصة بطبع الكتب توزع المجلات والكتب على نطاق واسع حاشد , وفي اوائل سنة 1950م كانت هذه المطابع تطبع بالفعل 12000 نسخة من كتاب قوامه 192 صفحة في الساعة الواحدة , وامكن بفضل اساليب التجليد الحديثة تجليد هذه الصفحات في ساعة اخرى .


 


                                                                                                       الكاتبة : اميرة قمر



About the author

160